في عام 1948 ، أو عام النكبة كما يسميه الفلسطينيون حيث أدت الجرائم و المجازر و إجراءات الطرد المستهدف التي إرتكبتها العصابات الارهابية الصهيونية إلى انشاء " اسرائيل " و إلى لجوء حوالي 300 ألف فلسطيني إلى لبنان . أقيمت مخيمات للاجئين الفلسطينيين في انحاء لبنان ، وحول العاصمة بيروت حيث يوجد منها مخيمي صبرا و شاتيلا.
اجتاحت القوات الاسرائيلية في عام 1982 لبنان حتى وصلت إلى بيروت و حاصرت الجزء الغربي من العاصمة اللبنانية حيث تحصن مقاتو منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
بعد أسابيع من القصف الوحشي ، جواً وبحراً وبراً من قبل القوات الاسرائيلية ، تم التوصل إلى اتفاق بوساطة المفاوض الامريكي فيليب حبيب و مقابله فلسطينياً سعد صايل و هاني الحسن ، يقضي بإنسحاب المقاتلين الفلسطينيين من بيروت وان تشرف قوات غربية متعدد الجنسيات ( أمريكية ، بريطانية ، فرنسية ، ايطالية ) على هذا الانسحاب الذي إلتزم به الفلسطينييون طبعاً ولكن لم تلتزم به الاطراف الأخرى.
كان من المقرر أن تبقى تلك القوات الغربية ثلاثون يوماً من تاريخ وصولها لضمان أمن اللاجئين المدنيين الفلسطينيين الذين بقوا في المخيمات بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية .
لكن المفاجأة جاءت بعد اسبوعين ، حين انسحبت القوات المتعددة الجنسيات و ذلك قبل إنسحاب " اسرائيل " التي كان عليها بموجب ذلك الإتفاق الانسحاب من لبنان في الأول من سبتمبر 1982 م ولكن الاسرائيليون لم ينسحبوا كما كان متفقاً عليه و أبقوا على مواقعهم حول بيروت و اتخذوا من مقتل ( الرئيس اللبناني ) بشير الجميل في 14 سبتمر 1982م ذريعة من أجل التقدم إلى بيروت الغربية ، زاعمين وجود " 2000 أرهابي " مدججين بالسلاح ما زالو مختبئين في المخيمات .
كان الهدوء الغير عادي في يوم الاربعاء 15 سبتمبر 1982م يسيطر على المخيمين . مر النهار ببطء والليل كان طويلاً جداً.
في اليوم التالي ، حوالي السادسة صباحاً ، خرقت الطائرات الاسرائيلية المعتدية هذا الصمت القاتل ، وأهالي المخيم وقفوا في الأزقة الى جانب الابواب أو النوافذ ينتظرون سماع الأخبار من أجهزة المذياع ( الراديو ) ، مهما كانت سيئة .
حاصر الجيش الاسرائيلي مخيمي صبرا و شاتيلا بالدبابات و لم يسمح لأي شخص بمغادرة المخيم أو الدخول إليه في حين كان الاعلام المحلي والعالمي منشغلاً بخبر إغتيال الجميل.
و وفقاً لتقرير لجنة كاهان التي شكلتها " اسرائيل " للتحقيق بالمجزرة ، فقط تم تكليف حليف " اسرائيل " في لبنان إي الكتائب ب" تطهير المخيمات من الارهابيين".
وفي 16 سبتمبر 1982 واليومين التاليين لذلك التاريخ ، اجتاحت قوات الاحتلال الاسرائيلي و عصابات الكتائب المخيمات الفلسطينية في بيروت ، فقتلوا و اغتصبوا و عذبوا آلاف اللاجئين الفلسطنيين و اللبنانيين من النساء والرجال و الأطفال.
على مدى ما يزيد عن 36 ساعة قام المجرمون بقتل الأطفال و النساء والرجال . كل هذا بتنظيم و اشراف القوات الاسرائيلية التي أغلقت المخيمات و أطلقت قنابل الانارة لإضاءة أزقة المخيم و كانت تدعو بواسطة مكبرات الصوت سكان المخيمين إلى الاستسلام " سلم تسلم ".
فكان يتم تجميع الرجال والنساء و حتى الاطفال في مجموعات ليتم قتلهم بعد ذلك بشكل وحشي و بدم بارد.
ساعات طويلة ، لا بل سنوات طويلة من المعاناة لم تنتهي حتى يومنا هذا بالنسبة للناجين من المجزرة .
" لقد أخبرنا الذباب عنها ، كانت بالملايين هناك ، أزيزها كان كما الرائحة الكريهة كادت تخبرنا عما حصل "
هكذا وصف روبرت فيسك المشهد حين جاء إلى المخيمين ، حيث كان من أوائل الصحفيين الذين دخلوا مخيمي صبرا و شاتيلا للاجئين غرب بيروت في 18 سبتمبر 1982م.
الصحفي الاسرائيلي أمنون كابليوك ، الذي انجز تحقيقاً بعد وقت قصير من المجزرة مستنداً إلى الشهادات ، وتصريحات و أرشيف الجيش الاسرائيلي و التقارير الصحفية ، والأدلة التي جمعتها لجنة التحقيق الاسرائيلية كاهان ، ونشر نتائج تحقيقه عام 1982م في كتاب " صبرا وشاتيلا ، التحقيق في المذبحة"
أقر كابليوك في تحقيقه ان عدد الضحايا قد بلغ ما بين 3000 و 3500 و أن هناك ضحايا قد دفنوا في مقابر جماعية تم حفرها من قبل المجرمين القتلة و أكد على وجود 359 مفقوداً تم اختطافهم أحياء إلى اماكن ما زالت مجهولة حتى يومنا هذا.
مجلس الأمن أدان فوراً المجرزة الاجرامية بحق المدنيين الفلسطينيين في بيروت " قرار رقم 521 ، 19 سبتمر 1982".
وفي 16 سبتمبر 1982م ، أعلنت الجمعية العامة أن المذبحة هي " عمل من أعمال الإبادة الجماعية " ( قرار 123/37 ) ، طالب بعض الاعضاء بإنشاء سلطة تحقيق رسمية للأمم المتحدة ، لكن هذه القرارات بقيت حبراً على ورق كالعادة .
عدداً من الخبراء الدوليين شكلوا لجنة تحقيق دولية في انتهاكات " اسرائيل " للقانون الدولي التي تم التبليغ عنها أثناء غزوها لبنان" ، وكان رئيسها السيد شون ما كبرايد ، رئيس مكتب السلام الدولي في جنيف في ذلك الوقت.
استندت استنتاجات الخبراء بشكل أساسي إلى إتفاقية جنيف الرابعة ، و أكدوا أن " السلطات الاسرائيلية تتحمل مسؤولية قانونية جسيمة ، كقوة إحتلال عن ارتكابها المجازر في صبرا وشاتيلا . و من الأدلة التي تم الكشف عنها ، أن " اسرائيل" شاركت في التخطيط و التحضير للمجزرة ولعبت دوراً تسهيلياً في عمليات القتل الفعليه " ( ماكبرايد 1982).
كما وصفوا الغزو الاسرائيلي بأنه " إبادة جماعية" ، واعتبر معظمهم أنه يمكن اثبات " إدعاء التدمير المتعمد للحقوق الوطنية والثقافية و هوية الشعب الفلسطيني ويشكل ذلك شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية ".
في يونيو 2001 ، قدم 23 ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا شكوى ضد شارون أمام محكمة بلجكية ، واتهموه بارتكاب " الإبادة الجماعية " و " جرائم الحرب " و " الجرائم ضد الانسانية " . لكن في يونيو 2002 ، أعلن القضاء البلجيكي عدم قبول الشكوى ، واستندت المحكمة في حجتها إلى سببين:-
أولهما :- يجب العثور على المتهم و اعتقاله في بلجيكا ، لكن في لحظة المحاكمة كان شارون يعيش في ( تل ابيب).
وثانيهما :- وفقاً للقانون الاسرائيلي لا يمكن مقاضاة المتهم إذا كان يشغل منصباً سياسياً ، و بالفعل كان شارون رئيساً للوزراء في ذلك الوقت.
لذلك قررت مجموعة المدعين استئناف القضية أمام محكمة الاستئناف العليا في بلجيكا . في فبراير 2003 ، شككت أعلى محكمة في بلجيكا في الحجة الأولى التي قدمتها محكمة الصلح ، و أكدت المحكمة العليا أنه يمكن رفع الدعاوي حتى لو كان المدعي عليه لا يعيش في بلجيكا ، لكن محكمة الاستئناف العليا أكدت الحجة التانية المتعلقة بحصانة شارون السياسية.
أربعون عاماً و لكن الناجون من المجزرة ما زالوا ينتظرون العدالة لأنهم يؤمنون ان حقوق الانسان التي نصت عليها الاتفاقات والمعاهدات و القرارات الدولية لا يمكن تجزئتها مهما طال الزمن وساد الظلم.