مع انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897، وإقراره إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وُضعت اللبنات الأولى لنشوء ما بات يُعرف بالقضية الفلسطينية أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يعتبر جزءاً جوهريّاً من الصراع العربي الإسرائيلي. وقد ارتبط هذا الصراع بشكل جذري بنشوء الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين، والاستيطان فيها، ودور الدول العظمى في دعم إنشاء إسرائيل على أرض فلسطين؛ إذ لم يكن اليهود ليحظوا بإقامة دولة مستقلة على أرض غيرهم بلا مساعدة ودعم الدول الاستعمارية الكبرى، التي رأت حل مشكلة اليهود في المجتمعات الأوروبية تحديداً، يكمن في توطينهم بفلسطين.
ولما كان المجتمع الدولي، وخاصة أوروبا، قد تضرر كثيراً من الحرب العالمية الأولى، فقد راحت الدول الكبرى المنتصرة في تلك الحرب، وفي مقدمتها بريطانيا، تبحث عن إنشاء منظمة دولية تكون خاضعة لضغط الدول القوية ومصالحها. ومن هنا، جاءت فكرة تأسيس عصبة الأمم عام 1919، تلبية لدعوة الرئيس الأميركي ويلسون لحفظ الأمن والسلام الدوليين بالطرق السلمية، والتي لعبت دوراً مهمّاً وحاسماً في صناعة قرارات تاريخية لصالح اليهود مكنتهم من قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين وفقاً لقرارات أممية أصدرتها المنظمات الدولية، سواء كانت عصبة الأمم أو الأمم المتحدة فيما بعد.
لقد لعبت الدول الكبرى دوراً فاعلاً بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية في إعادة ترتيب الخارطة السياسية للعالم عبر المنظمات الدولية (عصبة الأمم، والأمم المتحدة)، وذلك وفقاً لمصالحها ومخططاتها الاستعمارية. ومما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية كانت إحدى أهم القضايا التي تسببت الدول الكبرى في وقوع كارثتها التاريخية والسياسية والإنسانية حين استخدمت تلك المنظمات كأداة طيعة لإنجاز المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين. ولعل من نافل القول التأكيد على أن القرارات الأممية التي اتخذتها المنظمات الدولية مدعومة من الدول الاستعمارية بحق فلسطين قد أضفت شرعية قانونية ودولية لاغتصاب أرض فلسطين من قبل الصهاينة وإقامة إسرائيل، ويمكن تصنيف تلك القرارات على النحو التالي: قرارات تأسيسية ساهمت في إنشاء القضية الفلسطينية، وقرارات تعاملت مع القضية باعتبارها قضية لاجئين، وقرارات عالجت القضية من منطلق حق تقرير المصير.
أولاً: قرارات تأسيسية ساهمت في إنشاء القضية الفلسطينية
مثّل قيام إسرائيل في فلسطين مشروعاً استعماريّاً استيطانيّاً لم يشهد له التاريخ الحديث والمعاصر مثيلاً. وأسهمت في هذا المشروع الاستعماري الدول الكبرى والمنظمات الدولية، فقد أعلنت بريطانيا وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) 1917 لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتنافست الدول الأوروبية في ذلك، في ظل هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
-
صك الانتداب:
أعلنت عصبة الأمم مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين في السادس من تموز (يوليو) 1921، وتمت المصادقة عليه في 24 تموز (يوليو) 1922، ووُضع موضع التنفيذ في أيلول (سبتمبر) من العام نفسه. وقد جاء في المادة الرابعة من صك الانتداب: “يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين..”.
وبهذا، يتضح أن عصبة الأمم منذ بداية عملها كانت تتحكم فيها الدول الكبرى التي كانت ضد حقوق الشعب الفلسطيني، ومهدت لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين رغم ما نص عليه ميثاقها بالتأكيد على حق تقرير المصير للشعوب المحتلة وتحقيق الأمن والسلام الدوليين.
لقد كان لصك الانتداب الأثر الكبير على الفلسطينيين، إذ أثر بشكل واضح على صيرورتهم الاجتماعية والسياسية والإدارية؛ فصك الانتداب لم يتجاهل واقع فلسطين التاريخي والقومي فحسب، وإنما تجاهل الأكثرية العربية الساحقة (90% من مجموع السكان). كما شكل الصك مخالفة لميثاق عصبة الأمم بحسب ما جاء في المادة 22، إذ جعل لرغبة السكان الأصليين المقام الأول في اختيار الدول المنتدبة، فالعرب، وهم السكان الأصليون والأغلبية الساحقة، لم يختاروا بريطانيا، بل إن الحلفاء والمنظمة الصهيونية العالمية هم الذين اختاروها.
- قرار 181:
بعد فشل عصبة الأمم وانتهاء الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء الأمم المتحدة كوريث للعصبة عام 1945، وقد نقلت بريطانيا -الدولة المنتدبة- القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، فكانت مجحفة في حقوق الشعب الفلسطيني منذ بداية عهدها، حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 181 بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى دولة عربية وأخرى يهودية، في الوقت الذي كان العرب يشكلون أكثر من ثلثي سكان فلسطين، ومنحت لليهود، وهم أقلية، 56% من مساحة فلسطين، ولم يكن اليهود في ذلك الوقت يملكون سوى 7% من أراضي فلسطين، وخصص لأهل فلسطين العرب 43% من أراضي فلسطين، ووضعت 1% منها في منطقتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية.
لقد اشتمل قرار التقسيم على مجموعة من المبادئ والآليات التي تحكم المرحلة الانتقالية بين إنهاء الانتداب البريطاني وتثبيت الوضع النهائي عبر إنشاء دولتين عربية ويهودية، وكانت آلية التنفيذ المقترحة تكليف لجنة دولية تشرف على إنشاء مجلسي حكومة مؤقتين، وإنشاء أجهزة حكومية إدارية مركزية ومحلية، وتجنيد ميليشيا مسلحة في كلتا الدولتين، وإجراء انتخابات الجمعية التأسيسية، ووضع مسودة دستور ديمقراطي، واختيار حكومة مؤقتة، وإنشاء مجلس اقتصادي مشترك.
ورغم أن قرار التقسيم ينطوي في ظاهره على مخطط عملي لقيام دولتين مدنيتين، واحدة عربية وأخرى يهودية، مع مراعاة المساواة بين الطرفين في الحقوق والالتزامات، إلا أن تيسير محيسن يبين أن قرار التقسيم في جوهره هو محاولة إضفاء المشروعية الدولية على واقع جديد في فلسطين، يقوم على تقسيمها وإعطاء اليهود حق إقامة كيان قومي لهم على أكثر من نصف مساحتها، وذلك على حساب السكان الأصليين وحقوقهم الفردية والجماعية. واستخدم القرار كلمة فلسطين للإشارة إلى الإقليم الجغرافي وليس إلى الكيان السياسي. كما استخدم تعبير فلسطيني للإشارة للجنسية وليس إلى الانتماء الوطني أو “الهوية الوطنية”، كما ورد مصطلحا عربي ويهودي بمعناهما القومي (Nation) وليس بمضامينهما الدينية أو العرقية.
واليوم، وبعد مرور سبعين عاماً على قرار التقسيم، ما زال هذا القرار الجائر يثير جدلاً سياسيّاً وقانونيّاً يتمحور حول عدالة القرار وقانونيته ومجموعة المصالح التي حركت الأطراف الدولية ووحدتها في إخراج مثل هذا القرار المجحف بحق الشعب الفلسطيني والذي رفضته الدول العربية. وعندما أعلنت إسرائيل قيامها كدولة في 14 أيار (مايو) 1948، اعترفت بها الولايات المتحدة في اليوم نفسه. أما الاتحاد السوفييتي، فقد اعترف بها في 17أيار (مايو) 1948. وبهذا، يتضح أنه رغم الحرب الباردة بين السوفييت والأميركان، إلا أنهما اتفقا على إنشاء إسرائيل انتهاكاً للقوانين الدولية، متآمرتين على العرب والمسلمين الذين كانت معظم دولهم ما زالت تحت الهيمنة الاستعمارية.
أضف إلى ذلك، فإن مسألة قانونية قرار التقسيم ما زالت لغاية اليوم مثار جدل بين الحقوقيين، إذ إن هناك فريقاً يمثل العديد من الحقوقيين الفلسطينيين والعرب والأجانب ينظر إلى القرار باعتباره غير قانوني، حيث يرون أن الجهة التي أصدرت القرار لا تمتلك صلاحية وأهلية لإصداره، وتؤكد أن الأمم المتحدة لا تشكل وريثاً لعصبة الأمم، التي منحت لبريطانيا الانتداب على فلسطين بموجب المادة 22 من ميثاقها، والذي منح العصبة حق الإشراف على بعض الأقاليم المكونة للإمبراطورية العثمانية. ويستندون في ذلك إلى ما أعلنته العصبة نفسها، في اجتماعها الأخير المنعقد في نيسان (إبريل) 1946، حيث ورد فيه أنه بانحلال عصبة الأمم، يكون دورها بالنسبة للأراضي الواقعة تحت الانتداب قد انتهى. وهناك فريق آخر ينظر إلى الأمم المتحدة باعتبارها وريثاً لعصبة الأمم، معتبراً أن لها الحق في تقرير ما تراه مناسباً، شريطة ألا يتعارض هذا القرار مع بنود صك الانتداب الذي ورثته من العصبة، ومع المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم.
- قرار 273:
بعد إعلان قيامها على أرض فلسطين في 14 أيار (مايو) 1948، تقدمت إسرائيل في اليوم التالي بطلب عضويتها للأمم المتحدة، ووافقت على طلب الانضمام الولايات المتحدة، والأرجنتين، وكولومبيا، والاتحاد السوفييتي، وأوكرانيا. إلا أن مجلس الأمن رفض طلب الانضمام، وعادت إسرائيل بتقديم طلب الانضمام مرة أخرى عام 1949، فوافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراها رقم 273 بتاريخ 11 أيار (مايو) 1949 على قبول طلب دولة إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة، حيث تم تمرير القرار بعد تبني قرار مجلس الأمن رقم 69 في 4 آذار (مارس) 1949. علماً بأن ذلك القبول لعضوية إسرائيل تم بعد إعلانها بأنها “تقبل بدون تحفظ الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وتتعهد بتطبيقها من اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة”، وبأنها تتعهد بتطبيق قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، وكذلك قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين رقم 194، الذي سنأتي على ذكره لاحقاً.
وبهذا، يتضح أن قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة كان مشروطاً بتنفيذ التزاماتها وتعهداتها، إلا أنها لم تنفذ تلك الالتزامات والتعهدات حتى الآن، بل ترفض حق العودة أو السماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وهذا الأمر يثير تساؤلات عدة حول مدى قانونية عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، وهل معيار قبول الدول في الأمم المتحدة يرتبط بمدى التزامها بميثاقها ووفائها بتعهداتها؟ أم أن الأمر يرتبط بمعايير أخرى من قبيل مدى توافق مصالح تلك الدول مع مصالح الدول الكبرى صاحبة القرار في المنظمة الدولية؟
ثانياً: قرارات تعاملت مع القضية باعتبارها قضية لاجئين
بعد إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين ومغادرة قواتها من منطقة الانتداب، وصدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين ومعارضة الدول العربية له، شنت الجيوش العربية الستة المتواجدة في فلسطين آنذاك حرباً لطرد الميليشيات الصهيونية، ابتداءً من شهر أيار (مايو) 1948، نتج عنه انتصار العصابات الصهيونية على الجيوش العربية، وسيطرتها على 78% من مساحة فلسطين، وقيامها بطرد الفلسطينيين من أراضيهم وقراهم ومدنهم، وتشريدهم كلاجئين فيما تبقى من أرض فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة وبعض الأقطار العربية المجاورة لفلسطين، التي شاركت جيوشها في حرب عام 1948 أو ما بات يعرف بحرب النكبة.
- قرار 194:
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 194 بتاريخ 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948 بخصوص حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي طردوا منها عقب حرب عام 1948، وقد نص القرار على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة ووضع القدس تحت إشراف دولي دائم، وكذلك نصت المادة 11 من القرار على “وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة”.
- قرار 242:
بعد عدوان عام 1967 الذي شنت إسرائيل خلاله حرباً على الدول العربية المجاورة في5 حزيران (يونيو) 1967، احتلت إسرائيل أراضي كل من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان، وفشلت الأمم المتحدة في حل الأزمة آنذاك، وأصدر مجلس الأمن عدداً من القرارات الأممية المتلاحقة، ولم يكن لهذه القرارات صدى واسع، لأن أغلبها كان يواجه بالرفض السريع من قبل إسرائيل. ومن هذه القرارات 233، و234، و235، و236، علماً بأن هذه القرارات تقع ضمن المادة السادسة لقرارات المجلس وليس المادة السابعة التي توجب عقوبة على عدم التنفيذ.
أصدر مجلس الأمن الدولي قراره 242 في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، الذي أكد فيه عدم القبول بالاستيلاء على أراضٍ بواسطة الحرب. والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن، كما أكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة 2 من الميثاق.
- يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، ويستوجب تطبيق كلا المبدأين التاليين: أ. سحب القوات المسلحة من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع. ب. إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام والاعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة.
- يؤكد أيضاً الحاجة إلى: أ. ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة. ب. تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. ج. ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح. د. وقف إطلاق النار.
وقد جاء القرار 242 كحل وسط بين عدة مشاريع قرارات طرحت للنقاش بعد الحرب، من أبرزها مشروع القرار السوفييتي الأميركي، وذلك تفادياً لإقدام أي من الدولتين الكبريين على ممارسة حق النقض. واشترط واضع القرار اللورد كارادون، مندوب بريطانيا آنذاك لدى مجلس الأمن، أن القرار لا يقبل أي تعديل أو مساومة، فإما أن يقبل كما هو، وإما أن يرفض، لأن أي تعديل، ولو كان طفيفاً، كان من شأنه، بحسب رأيه، نسف المشروع من أساسه.
وكان الهدف من هذا الموقف هو المحافظة على الغموض الذي أحاط بالفقرة الخاصة بالانسحاب خاصة في النص الإنجليزي، فقد ورد في الفقرة (أ) من المادة الأولى: “انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتلت في النزاع الأخير”. أما في النصوص الفرنسية والروسية والإسبانية والصينية، فقد دخلت “ال” التعريف على كلمة أراضٍ، بحيث لم يعد هناك أي لبس أو غموض. وزيادة في الوضوح، فقد بادر مندوبو عدة دول مثل فرنسا والاتحاد السوفييتي ومالي والهند ونيجيريا إلى التصريح، قبل التصويت على القرار، بأن حكوماتهم تفهم هذه الفقرة بأنها تعني انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967. وإضافة إلى قضية الانسحاب، فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمناً بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين. ومن هنا، فقد جاء قبول بعض الدول العربية بهذا القرار، ومنها مصر والأردن، تكريساً للاعتراف بالاختلال الحاصل في موازين القوى.
جدير بالذكر أن القرار 242 يشكل منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية والعربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، كما أن الكثير من القرارات التي أتت بعده تذكره وتستند إليه.
- قرار 338:
أصدر مجلس الأمن بتاريخ 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 قراره رقم 338 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار على كافة جبهات حرب تشرين التي بادرت فيها القوات المصرية والسورية بشن هجوم عسكري على جبهتي سيناء والجولان المحتلتين من قبل إسرائيل منذ حرب عام 1967، ورغم النجاح الذي حققه الجيش المصري والسوري في الأيام الأولى للحرب، إلا أنه في نهايتها استعادت القوات الإسرائيلية المناطق التي كانت تحتلها في سيناء والجولان. ودعا مجلس الأمن في قراره إلى: 1. يدعو جميع الأطراف المشتركة في القتال الدائر حاليّاً إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فوراً، في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار وفي المواقع التي تحتلها الآن. 2. يدعو جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً بعد وقف إطلاق النار بتنفيذ قرار مجلس الأمن 242 (1967) بجميع أجزائه. 3. يقرر أن تبدأ فور وقف إطلاق النار وخلاله مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. علماً بأن إسرائيل تمنعت عن تنفيذ القرار بذريعة أن القرار يدعو إلى (ولا يقرر) تطبيق قرار 242.
ثالثاً: قرارات عالجت القضية من منطلق حق تقرير المصير
جاءت هذه القرارات للمنظمة الدولية مع بداية قبول منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 لفكرة البرنامج المرحلي “برنامج النقاط العشر”، الذي قبلت بموجبه بإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، حيث شكل ذلك الموقف الجديد للمنظمة، الذي بات يعترف بالشرعية الدولية وببعض قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، تحولاً في مسارها النضالي، جعل المنظمة الدولية تتطلع إلى منظمة التحرير والشعب الفلسطيني بشكل مختلف، لا سيما بعد أن فرضوا وجودهم من خلال النضال المسلح والعمل السياسي واستقطاب دول العالم لصالح الحق الفلسطيني.
- قرار 3237:
صدر هذا القرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1974، الذي منح منظمة التحرير الفلسطينية مركز مراقب في المنظمة الدولية، ودعاها للاشتراك في دورات كل المؤتمرات الدولية التي تعقد برعاية الجمعية العامة وفي أعمالها بصفة مراقب.
جدير بالذكر أن هذا التطور القانوني لوضعية منظمة التحرير على مستوى المنظمة الدولية، والذي شكل منعطفاً تاريخيّاً لمسار النضال الفلسطيني، جاء في أعقاب إقرار المجلس الوطني الفلسطيني للبرنامج المرحلي عام 1974 واعتراف القمة العربية في الرباط في العام ذاته بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
- قرار 177/43 :
اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرار 177/ 43 في 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 بإعلان دولة فلسطين الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، وأكدت الحاجة إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه المحتلة منذ عام 1967. كذلك قررت أن يستعمل في منظومة الأمم المتحدة اسم “فلسطين” بدلاً من تسمية “منظمة التحرير الفلسطينية”، دون المساس بمركز المراقب لمنظمة التحرير ووظائفها.
في الواقع، كان هذا هو الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، على الرغم من أنها ما زالت دولة محتلة، ولم تُقبل بعد كعضو في الأمم المتحدة. ولعل السبب الرئيسي والمباشر في هذا التطور السياسي المهم للقضية الفلسطينية كان مبادرة السلام الفلسطينية، التي أطلقتها قيادة منظمة التحرير عام 1988، حيث قبلت بموجبها كافة قرارات الشرعية الدولية، ابتداءً من قرار التقسيم 181 والقرارات 194 و242 و338 كأساس لحل الصراع، ووافقت أيضاً على نبذ العنف.
- قرار 1397:
اتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 1397 في 12 آذار (مارس) 2012، الذي طالب فيه الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف، بما في ذلك أعمال الإرهاب والاستفزاز والتحريض والتدمير، وكذلك دعا الجانبين وقادتهما إلى التعاون في تنفيذ خطة “تينت” وتوصيات “ميتشل” بشأن التوصل إلى تسوية سياسية. وأكد المجلس رؤيته لمنطقة بها دولتان إسرائيلية وفلسطينية تتعايشان جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها (حل الدولتين).
يشار إلى أن هذا القرار جاء في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول (سبتمبر) 2000 ردّاً على اقتحام رئيس حزب الليكود آنذاك أرئيل شارون للمسجد الأقصى، الأمر الذي أدى إلى عودة العنف بين الطرفين وقيام إسرائيل بتدمير مقرات السلطة الفلسطينية واقتحام مدنها واغتيال العديد من القيادات الفلسطينية واعتقال آلاف الفلسطينيين وإلغاء سيادة السلطة الفلسطينية على مناطق (أ) التي جاءت حسب اتفاقيات أوسلو عام 1993.
- قرار 67/19 :
نص القرار 67/19 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 على منح فلسطين صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة، كما دعا مجلس الأمن إلى النظر “بشكل إيجابي” إلى قبول طلب دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، الذي قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أيلول (سبتمبر) 2011.
ودعا القرار أيضاً إلى ضرورة التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين والوقف الكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وكذلك أكد إسهام الجمعية العمومية في إعمال تحقيق الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني والتوصل إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط تنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 وتحقق رؤية الدولتين، كما حثت جانبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على العودة فوراً إلى طاولة المفاوضات. علماً بأن المفاوضات متوقفة بين الطرفين منذ عام 2009 بسبب إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على رفض وقف الاستيطان.
- قرار : A/ES-10/L22
طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب هذا القرار في 21 كانون الأول (ديسمبر) 2017 الجميع بعدم تغيير طابع مدينة القدس الشريف أو مركزها أو تركيبتها الديمغرافية. وأكد أن أي قرار ينص على غير ذلك، باطل وليس له أي أثر قانوني.
جدير بالذكر أن مشروع هذا القرار قدمته تركيا واليمن باسم المجموعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وذلك ردّاً على اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وكذلك تهديده بمعاقبة الدول التي تصوت لصالح القرار عبر قطع المساعدات المالية عنها.
خلاصة
إن القرارات السياسية والإجراءات القانونية والتوصيات العملية للأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية لا تتمتع بالمصداقية، كونها عاجزة عن تنفيذها وفرضها على أرض الواقع، والسبب في ذلك يعود لكون هذه القرارات نتاج وحصيلة تأثير الدول المنضوية في عضويتها، وفقاً لمصالح هذه الدول والقيم التي تؤمن بها مجتمعاتها والمساومات التي تتفاوض حولها. بالإضافة إلى أن هناك خللاً كبيراً في ميثاق الأمم المتحدة الذي لم يتغير منذ إنشائها، بالرغم من تغير الظروف الدولية، حيث بقيت خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن تتحكم في كافة القرارات الأممية، رغم زيادة عدد الدول الأعضاء فيها وصعود العديد من الدول القوية التي ما زالت ليس لها دور فعال في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي.
ونتيجة لذلك، لا غرابة في تباين موقف الفلسطينيين من الأمم المتحدة وقراراتها وتوصياتها، ما بين من يحملونها المسؤولية عن خلق مشكلتهم، ومن يرون أنها عاجزة أو مهيمن عليها، وثمة آخرون تبنوا موقفاً إيجابيّاً منها ورأوا ضرورة احترام الشرعية الدولية التي تمثلها. إلا أن العديد يرون أنها تمثل ساحة سياسية مهمة تستدعي خوض المعارك فيها، كصدور قرارات تدين إسرائيل، ولو لم تنفذ، إذ يمكن الاستفادة منها كورقة ضغط في الإعلام وفضح جرائم الاحتلال لكسب تأييد المجتمع الدولي.
وأخيراً، يجب الاعتراف بأن الموقف الفلسطيني المطالب بحقوقه المشروعة في الأمم المتحدة يبقى ضعيفاً وعبثيّاً وفق معادلة المصالح القائمة في المنظمة الدولية إذا لم يساند ويُدعم كما يجب من كافة الدول العربية والإسلامية، لا سيما أنها تمتلك كل أسباب القوة الاقتصادية والموقع الإستراتيجي، وغيرها من عناصر القوة.
إن الدول العربية والإسلامية يمكن أن تكون فعالة ومؤثرة في الأمم المتحدة، إذا تضامنت ووحدت إستراتيجيتها وأقامت علاقات مبنية على المصالح المتبادلة مع الدول الأعضاء والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لصالح القضية الفلسطينية، وما حدث مؤخراً من تصويت أربعة عشر عضواً في مجلس الأمن الدولي و128 عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الرئيس الأميركي ترامب بشأن القدس خير دليل على ذلك.