شكلت قضية اللاجئين منذ نشوئها محور القضية الفلسطينية، وأصبحت النكبة التي أحدثتها العصابات الصهيونية بحق شعبنا الشاهد الرئيس على إحدى أكبر عمليات التطهير العرقي في القرن العشرين، وأكبر مآساة سياسية وانسانية متواصلة منذ العام 1948 حتى يومنا هذا في الوطن والمنافي ومخيمات اللجوء.
يعتبر 70 بالمائة من الشعب الفلسطيني في العالم من اللاجئين، حيث يعدّ واحد من كل ثلاثة لاجئين في العالم لاجئاً فلسطينياً، ولا يحمل نصف اللاجئين الفلسطينيين الجنسية، بل وحرمتهم اسرائيل "السلطة القائمة بالاحتلال" لعقود طويلة من حقهم في العودة إلى وطنهم في انتهاك صارخ للقرار الأممي رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي سهّلت فيه من هجرة اليهود إلى إسرائيل دون قيد أو شرط.
يفتقر اللاجئون الفلسطينيون إلى أبسط الحقوق الإنسانية، ويعانون من انعدام الحماية والمساعدة الدولية الملائمة، كما أنهم يتحملون وطأة الاحتلال وممارسته الاحتلالية، ولذلك ينبغي التوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين – حل يعترف بحق الاجىء الفلسطيني في العودة إلى وطنهم ويوفر لهم مجموعة من الخيارات المعقولة – بغية تعزيز إمكانية إيجاد حل ناجع ودائم.
منذ العام 1967، طردت إسرائيل عنوة أكثر من 726,000 فلسطينيًا أو أجبرتهم على الرحيل القسري من منازلم وأراضيهم وأصبحوا لاجئين قبيل إعلان قيام دولة إسرائيل وبعده مباشرة. نجم عن سياسة اسرائيل التعسفية بحق الفلسطينيين ومدنهم وقراهم وممتلكاتهم فرار الكثير، وبقي حوالي 150,000 فلسطينيًا في فلسطين التي أصبحت تُعرف فيما بعد بدولة إسرائيل، منهم 46,000 فلسطينيًا تمّ تهجيرهم داخليًا. ورفضت سلطة الاحتلال السماح لأؤلئك المهجرين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم وقراهم.
أثناء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، تم تهجير ما يقارب 300,000 فلسطينيًا، توجه بعضهم الى دول الجوار واستقر آخرون في مخيمات او مدن وقرى داخل فلسطين. ومنذ عام 1967 واصل الفلسطينيون مواجهتهم لسياسات التشريد والاقتلاع القسري من أرضهم، والتي شملت هدم المنازل والإخلاء القسري ومصادرة الأراضي وسحب حقوق الإقامة وتشييد المستوطنات وجدار الضم والتوسع، إضافة إلى الوجود العسكري الهائل الداعم لهذه السياسات. ولم تسمح إسرائيل للاجئي عام 1948 أو للاجئي عام 1967 أو للأشخاص المشردّين داخليًا من العودة إلى منازلهم.
قامت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بتجريد الشعب الفلسطيني الذين طردته قسراً قبل عام 1948 وبعده من جنسيتهم بموجب قرار اتخذه "الكنيست"الإسرائيلي عام 1952، وصادرت كافة ممتلكاته وحولتها إلى ملكية "دولة إسرائيل" وخصصته حصريًا لصالح الشعب اليهودي. وأثناء حرب عام 1948 وبعدها ، اقترفت مذابح ابادة جماعية من قتل وتهجير وهدم، وتدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية من سكانها بشكل كامل، وحولتها إلى مستعمرات يهودية من أجل إحلال المهاجرين والمستعمرين اليهود محل شعبنا وطمس الهوية الفلسطينية وجعل عودة أهلنا الى قراهم الأصلية أمراً مستحيلاً.
في بعض مناطق القرى المدمرة. وكما قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه ديان عام 1969، "لقد أقيمت القرى اليهودية مكان القرى العربية. أنتم لا تعرفون حتى أسماء هذه القرى العربية، وأنا لا ألومكم لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، ولكن ليس كتب الجغرافيا وحدها التي لم تعد موجودة، بل القرى العربية نفسها ازيلت أيضًا. فقد قامت نهلال في موضع معلول، وكيبوتس غفات في موقع جباتا، وكيبوتس ساريد في موضع خنيفس، وكفار يهوشوّع في موضع تل الشومان. وما من مكان بني في هذا البلد إلا وكان فيه أصلاً سكان عرب".
ومع ذلك، ووفقًا إلى بعض التقديرات بقيت حوالي 90 بالمائة من مواقع القرى الفلسطينية المهجرة شاغرة وغير مأهولة. وعلى نقيض ذلك، بقيت الغالبية العظمى من منازل اللاجئين الفلسطينيين الواقعة في مراكز المدن على حالها عام 1948 ، لكن تم الاستيلاء عليها من قبل الوكالة اليهودية واعطائها الى المهاجرين اليهود.
القانون الدولي:
قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من أهم القضايا المعاصرة في نطاق القانون الدولي للاجئين. ومع ذلك شهدت هذه القضية ضعفًا وهشاشة من حيث الرعاية والحماية القانونية نتيجة التفسير الضيق لقواعد القانون الدولي للاجئين من قِبل الأطراف المسؤولة عن توفير تلك الحماية والرعاية القانونية للاجئين الفلسطنيين. ساهم في هذا الإهمال غياب هذه القضية في الجوانب القانونية والسياسية المؤثرة على الحالة الفلسطينية بشكل عام حيث تم الاهتمام بحق تقرير المصير والحكم الذاتي ووقف الاستيطان وغيره من القضايا الأخرى. في حين أن قضية اللاجئين الفلسطينيين لا تقل أهمية عن تلك القضايا المرتبطة بحقوق الشعب الفلسطيني. في عام 1948 أنشأت الأمم المتحدة منظمة (الأونروا) بموجب القرار الصادر من الجمعية العامة رقم 302 لرعاية اللاجئين الفلسطينيين داخل فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. وفي عام 1951 تم توثيق اتفاقية جنيف لرعاية وحماية اللاجئين الدولي ونصت هذه الاتفاقية من خلال الفقرة 4 المادة الأولى على استثناء اللاجئين الذين يتلقون رعاية من أجهزة الأمم المتحدة الأخرى من البنود القانونية الواردة في هذه الاتفاقية.
تم تفسير هذا النص من قِبل المفوضية السامية المنبثقة من هذه الاتفاقية على استبعاد جميع اللاجئين الفلسطنيين في العالم من هذه الاتفاقية لأنهم يتلقون رعاية من (الأونروا) في حين أن القرار رقم 302 نص على أن عمل الأونروا يقتصر فقط على أربعة دول وهي فلسطين والأردن ولبنان وسوريا. هذا التفسير الضيق أدى إلى غياب تام في توفير الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون خارج هذه الدول. وفي نفس السياق أصدرت الأمم المتحدة في عام 1998 المبادئ التوجيهية للمشردين داخليًا وهي نصوص توضح حقوق هولاء النازحين والتزامات المجتمع الدولي بحقهم. وهذه المبادئ تتسم بقوة قانونية لأنها ترتب حقوق واضحة للمشردين داخليًا وخاصة في إنهاء السبب الذي حدث منه التشرد والنزوح وترتيب التزامات على المجتمع الدولي لتنفيذ ذلك. بعكس عمل الأونروا والذي ينحصر في تقديم خدمات صحية وتعليمية ولا تتضمن بنود قانونية ترتب حقوق قانونية يلتزم المجتمع الدولي على منحها النازحيين الفلسطينيين. استمرت الأمم المتحدة بالتعامل مع النازحين الفلسطينيين داخل حدود فلسطين تحت وصف لاجئين وحرمتهم من امتيازات قانونية تمنحها إياهم المبادئ التوجيهية للمشردين داخليًا. تكمن أهمية قضية اللاجئين الفلسطينيين في أنها تؤثر في تمسك هولاء اللاجئين بحق عودتهم لأن هذا الإهمال يؤدي إلى تخليهم عن حقهم في استعادة أرضهم المسلوبة والبحث في الحصول على جنسيات دول جديدة والاستقرار فيها. وبالتالي لا بد من تفعيل الحقوق القانونية لهولاء اللاجئين أو العمل لإنشاء وترتيب نصوص قانونية خاصة تتعامل مع هذه القضية نظرًا لاستمرار حالة اللاجئين الفلسطينيين وأهميتها في التمسك بحقهم الأصيل بالعودة إلى وطنهم.
- قرار الأمم المتحدة رقم 194 (الصادر في 11 كانون الأول 1948، ويعاد التأكيد عليه في كل عام منذ 1948): اللاجئون الفلسطينيون الذين يريدون العودة إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يُسمح لهم بالعودة في أقرب وقت ممكن، ويجب دفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين يختارون عدم العودة وعن الخسارة أو الضرر أو الإنصاف الذي يجب تصحيحها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة وفقاً لمبادئ القاتون الدولي.
يجسّد قرار الأمم المتحدة رقم 194 حق اللاجئين الفلسطينيين في الاختيار إمّا بالعودة إلى ما يُسمى إسرائيل أو بإعادة توطينهم في أماكن أخرى من العالم، كما يتبنى القرار المبادئ المتعارف عليها للقانون الدولي العرفي، وتعيد الجمعية العامة التأكيد على هذا القرار كل عام منذ اعتماده.
تؤكد العديد من القوانين الدولية حق العودة للاجئين الفلسطينيين منها ما يلي:
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): "كل شخص له الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه" (المادة 13(2))
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: "سوف لن يتم حرمان أي شخص بشكل تعسفي من الحق في دخول بلاده" (المادة 12(4)).
- اللجنة الفرعية التابعة للأمم المتحدة الخاصة بمبادئ حقوق الإنسان بشأن إسكان ورد الممتلكات للاجئين والأشخاص المشردّين: "لجميع اللاجئين والأشخاص المشردّين الحق في العودة طوعًا إلى منازلهم السابقة وأراضيهم وأماكن سكناهم الاعتيادية بأمن وكرامة" (المادة 10.1)... "يجب أن يتمكن اللاجئون والأشخاص المشردّون من إيجاد الحلول الدائمة لتشريدهم غير العودة، إذا أرادوا ذلك، دون الإجحاف بحقهم في استرداد منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم" (المادة 10.3).
الموقف الفلسطيني
تتطلب رؤيتنا إيجاد حلٍ عادلٍ لقضية اللاجئين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي وخاصة القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وينبغي أن يستند الحل العادل إلى حق العودة والتعويضات. كما تشمل مبادرة السلام العربية موقفنا هذا وتدعمه، وهي تدعو أيضًا لإيجاد "حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين ومتفق عليه بموجب القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة". وينبغي على الحل العادل لمسألة اللاجئين معالجة جانبين أساسيين هما: حق العودة والتعويضات.
حق العودة
يكمن مفتاح الحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين في اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها التاريخية في تهجير اللاجئين الفلسطينين والاعتراف بالمبادىء القانونية التي تختص باللاجئين وحقوقهم، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم وأراضيهم. وسيمهّد اعتراف إسرائيل بحق العودة الطريق للتفاوض حول تنفيذ ذلك الحق. وتعدّ الخيارات جزءاً هاماً من هذه العملية إذ يتوجب إتاحة الفرصة للاجئين الفلسطينيين اختيار الطريقة التي يريدون عبرها تحقيق حقوقهم وتطبيع مكانتهم. وينبغي أن تشمل الخيارات ما يلي: العودة إلى الأراضي التي شردوا منها عام 1948 "إسرائيل" اليوم، العودة إلى دولة فلسطين أو إعادة التوطين فيها، والاستيعاب في الدول المضيفة. علاوة على ذلك، إعادة التأهيل على شاكلة التدريب المهني والتعليم والخدمات الصحية وتوفير أماكن للسكن من العناصر الهامة والضرورية لكل من هذه الخيارات.
الجبر
يتكون الجبر من ثلاثة عناصر رئيسية. يرتبط العنصر الأول باعتراف إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بدورها في خلق حالة الاضطراب الدائم الذي يعاني منه اللاجئون الفلسطينيون، ويتوجب عليها الاعتراف بمسؤوليتها على هذه الأعمال إذا أرادت فعلا تحقيق سلام عادل ودائم.
العنصر الثاني من الجبر رد الممتلكات إلى أصحابها الفلسطينيين. بموجب القانون الدولي يعتبر رد الممتلكات التي تمّ مصادرتها قسرًا إلى أصحابها الحل الأمثل والأساسي. وفي حال تعثر رد الممتلكات إلى أصحابها الشرعيين من الناحية المادية، أو في حال كان من الصعب تعويض الأضرار عن طريق رد الممتلكات إلى أصحابها، أو في حال اختار اللاجئون التعويض بدلاً من استرداد ممتلكاتهم، ينبغي أن تكون التعويضات كاملة وتامة. وبدلاً من ذلك، يمكن تقديم التعويضات العينية على شاكلة أرض شاغرة.
تشكل التعويضات العنصر الأخير من الجبر ويتألف من ثلاث فئات. أولاً، ينبغي تقديم التعويضات عن الممتلكات التي لا يمكن ردها إلى أصحابها (أو في حال رغب اللاجئون في الحصول على تعويضات بدلاً من استرداد ممتلكاتهم)، وعن الأضرار المادية (الممتلكات الشخصية، ومصادر الرزق والعيش الكريم، إلخ.)، وعن الأضرار غير المادية (الألم والمعاناة بسبب التشريد والتهجير).