يشكل نزع الملكية من الفلسطينيين وتهجيرهم من منازلهم ركنا مهمًا جدًا في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي؛ فمنذ قيام الكيان الصهيوني، فرضت عمليات استيلاء جماعية وقاسية على الأراضي ضد الفلسطينيين، وتواصل تطبيق عشرات القوانين والسياسات لإرغام الفلسطينيين على العيش في معازل صغيرة.
ومنذ عام 1948، تهدم “إسرائيل” مئات الآلاف من منازل الفلسطينيين وغيرها من الممتلكات في كافة المناطق الخاضعة لولايتها القضائية وسيطرتها الفعلية.وكما في النقب، يعيش الفلسطينيون في القدس الشرقية والمنطقة”ج” في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وترفض السلطات منح تراخيص بناء للفلسطينيين في هذه المناطق، ما يرغمهم على إنشاء مبانٍ غير قانونية تتعرض للهدم مرة تلو الأخرى.وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يزيد التوسّع المستمر للمستعمرات/المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية الوضع سوءاً. وما زال إنشاء هذه االمستعمرات فيالأراضي الفلسطينية المحتلة سياسة حكومية منذ عام 1967. وتغطي المستعمرات اليوم نسبة10 بالمائة من مساحة أراضي الضفة الغربية، وجرت مصادرة نسبة 38 بالمائة من أراضي الفلسطينيين في القدس الشرقية بين عامَيْ 1967 و2017.وغالبًا ما تستهدف منظمات المستوطنين المدعومة بالكامل من الحكومة الإسرائيلية الأحياءَ الفلسطينية في القدس الشرقية، بهدف تهجير الأسر الفلسطينية وتسليم منازلها للمستوطنين. ومن جملة هذه الأحياء حي الشيخ جرّاح الذي يشهد تظاهرات متكررة منذ مايو/أيار 2021، فيما تخوض الأسر صراعاً للحفاظ على منازلها في ظل التهديد بإقدام المستوطنين على رفع دعوى قضائية ضدها.
قيود قاسية على حرية التنقل فرضت سلطات الاحتلال منذ منتصف التسعينيات قيودًا صارمة على نحو متزايد على تنقل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتسيطر شبكة مننقاط التفتيش العسكرية وحواجز الطرق والأسيجة وغيرها من المنشآت على تنقل الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتُقيّد سفرهم إلى إسرائيل أو الخارج.
لقد عزل سياج طوله 700 كيلومتر – ما برحت “إسرائيل” تعمل على تمديده – المجتمعات الفلسطينية المحلية داخل “مناطق عسكرية”، ويتعين عليهم الحصول على تصاريح خاصة متعددة في أي وقت يدخلون فيه إلى منازلهم أو يغادرونها.
وفي غزة، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار إسرائيلي خلق أزمة إنسانية. ومن شبه المستحيل على فلسطينيي غزة السفر إلى الخارج أو إلى سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة؛فهم معزولون فعليًا عن بقية العالم.
وقالت “أنياس كالامار”: “إن صعوبة تنقل الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها هي تذكير دائم بعجزهم؛ فكل تنقلاتهم تخضع لموافقة الجيش الإسرائيلي، وعليهم اجتياز شبكة من السيطرة العنيفة للقيام بأبسط أمورهما اليومية”.”ويجسد نظام التصاريح الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة التمييز مجحف الصارخ الذي تمارسه “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، وفي حين يطبق الحصار على الفلسطينيين، ويعلقون لساعات عند نقاط التفتيش، أو ينتظرون صدور تصريح آخر، يستطيع المواطنون والمستوطنون الإسرائيليون التنقل كما يحلو لهم”.
وقد درست منظمة العفو الدولية كل مبرر من المبررات الأمنية التي تتذرع بها “إسرائيل” كأساس لمعاملتها للفلسطينيين. ويبيّن التقرير بأنه في حين أن بعض السياسات الإسرائيلية ربما تكون مصممة لتحقيق أهداف أمنية مشروعة، إلا أنها ما برحت تُنفّذ بطريقة غير متناسبة وتمييزية فاضحة لا تتقيد بالقانون الدولي.وثمة سياسات أخرى عارية تمامًا من أيّ أساس قانوني معقول في مجال الأمن، وقد صيغت بوضوح بنية القمع والهيمنة.
على طريق المضي قدما تقدم منظمة العفو الدولية توصيات محددة عديدة لكيفية تفكيك السلطات الإسرائيلية لنظام الفصل العنصري، وكذلك أركان التمييز، والشرذمة، والقمع التي تديمه.
وتدعو المنظمة إلى وضع حد للممارسة الوحشية المتمثلة بهدم المنازل وعمليات الإخلاء القسري كخطوة أولى.
وينبغي على “إسرائيل” منح جميع الفلسطينيين المقيمين فيها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة حقوقاً متساوية بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
كما ينبغي عليها الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين والمنحدرين عنهم بالعودة إلى ديارهم التي كانت فيما مضى تعيش فيها عائلاتهم، وتقديم تعويضات كاملة إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية.
ويقتضي حجم وخطورة الانتهاكات التي وثّقتها منظمة العفو الدولية في تقريرها، إجراء تغيير هائل في مقاربة المجتمع الدولي لأزمة حقوق الإنسان في”اسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويمكن لجميع الدول ممارسة الولاية القضائية الشاملة على الأشخاص الذين يُشتبه على نحو معقول في ارتكابهم جريمة الفصل العنصري بموجب القانون الدولي. أما الدول الأطراف في اتفاقية الفصل العنصري، فمن واجبها القيام بذلك.
دعونا نختم بما قالت رئيسة منظمة العفو الدولية “أمنستي””أنياس كالامار”بقوة الحق والعدل كما أسلفنا الاقتباس: “لا يجوز بعد الآن أن يقتصر الردّ الدولي على الفصل العنصري على الإدانات العقيمة والمراوغة؛ فإذا لم نعالج الأسباب الجذرية، سيظل الفلسطينيون والإسرائيليون أسرى دوامة العنف التي دمرت حياة عدد كبير جدًا من الناس”.”وينبغي على “إسرائيل” تفكيك نظام الفصل العنصري والبدء بمعاملة الفلسطينيين كبشر متساوين في الحقوق والكرامة. وإلى أن تفعل ذلك، سيظل السلام والأمن احتمالَيْن بعيدَيْ المنال للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”.